موقع القصة السورية: صدرت مؤخرًا عن "بيت الشعر" في فلسطين مجموعة شعرية جديدة للشاعرة رانية إرشيد بعنوان "فراشة أم ضوء؟"، وذلك ضمن سلسلة "أصوات جديدة"، والتي تُعنى بالأصوات الشعرية الجديدة في الوطن والشتات، باللغة العربية أو بأية لغة أخرى، وتهدف هذه السلسلة لإفساح المجال أمام الشعرية الجديدة لتقديم عطايا الإبداعية، ومنحها الفضاء الكامل للاقتراح والتجريب.
أهدت الشاعرة مجموعتها الشعرية "إلى طائر يحلِّق في فضاء الصدر"، وتحت عنوان "قبل البدء" تكتب: "مَع كُلِّ ريحٍ، بَعدَ انتِحارِ إعصَارِ رُوحِ الظِّلالِ، تَبقى تَرسمُ الأمكِنةُ دَاخلِي اشتِهاءَ عزلَةٍ تَجمعُنا.. أَرصِدُ الحُلمَ على سُفوحِ الغِياب لِنَلتَقي بِميعادٍ اختزلَتهُ عَتبةُ اللِّقاء، ووعدٍ يُحجمُ عن تَرجِّي الرُّؤى. حاضرٌ بتألُّقِ لونِ الغُروب.. غَائبٌ بتَحليقِ طائِرِ الشَّوقِ.. بَعيدٌ عَن محوَرِ صَفاء العَينِ..
بارتِعاشَاتهِ الظَّمأى يُخثِّرُ ساعةَ اللِّقاءِ المهيَّأة دائمًا لِنحيبِ الرُّوح، لكنَّنَا نَلتقي عَلى بياضِ الأسطُرِ؛ فَهُنا لا تُفرِّقُنا أمكِنةٌ، بل تَجمعُنا أحرفٌ ببياضِ حُلمِها ونقاءِ عَزفِهَا وَملحِ فَرحِها وحزنِهَا."
احتوت المجموعة على سبع عشرة قصيدة ضمن ثلاثة عناوين: "مبلل ببياض حلم"، "نقاء منفصل"، ملح الحزن والفرح".
نذكر أن الشاعرة إرشيد هي من مدينة الناصرة في فلسطين المحتلة العام (1948)، وسبق أن صدرت لها مجموعتان شعريتان هما: "كراسة حب" (1999)، "أبجدية خاصة" (2005).
من أجواء المجموعة نقتطف إحدى القصائد:
لا لَون لِفَراغِكِ عَلى شُرفَةِ الضَّوء
كَمْ رَجفَةً تكفي لِيسَقطَ قَلبٌ
عَلى آثارِ خَوفِهِ
كَي يَستَبدِلَ أَكوامَ دُخانِهِ بِرِمَالِ سُقوطِهِ؟
لا عَدَد!
لكن؛
مِنَ المُؤلِمِ أن تُتابِِعَ السَّفرَ بَينَ شُقوقٍ
تَتَربَّصُ لَكَ بِصَحوَة العَدَمِ
تُصعِدُ أَنفاسَكَ هَباءً
لِتَتَساقَطَ طَعَناتٍ بِأُفِّ الشَّفَتينِ.
هَكَذا أَعُودُ إليَّ؛
بِنُضوجِ جُرحٍ انْتَظَرَ طَويلاً رَبِيعَ قِطَافِهِ،
أو خَريفَ سُقوطِهِ طَوعًا عَلى إسفِلتِ الأَهدابِ
لِتَتَشابَكَ خُيوطُ الذِّكرى،
وَتعودَ بِطُبولِها الْتُتقِنُ تَرقِيصَ الرِّيحِ الثَّقِيلَة،
فَأَصُمُّ أُذنيَّ عَن ضَجِيجِهَا
وَلا أُسَلِّمُ لَها حَدقَةَ العَينِ،
وَكُلَّ مَرَّةٍ؛
أَطوِي آخِرَ صَفَحاتِهَا الَّتي تُعلنُ مَسؤوليَّتها
عَن تَكَدُّسي فَوقَ الأَورِدَة.
كَيفَ تَستَطيع أَن تَستَثنِيَني المُعانَاة؟
أن تَقذِفَنِي بِكامِلِ أَعضائِي إلى جِهَتِهَا التَّاسعةِ
لِيَتبدَّلَ الهَواءُ،
ويَأتِيني قَاضِمًا رَعشَةَ بَردِهِ/ رَعشَةَ البُعد؟!
كَيفَ لِي أَن أَحتَفِي بِفَضَّةِ انتِصَارِي،
وأُقدِّمَ لَها وِسَادةً مُكَلَّلةً بِغَفوَةِ نُعَاسِها؟!
بِبُخلِ الذَّاكِرَةِ؛
كُنتُ أَنتَظِرُ فُتَات اللِّقاءاتِ
أُحاوِلُ حَفرَ مَكانٍ لِي هُناك
لكن،
سُرعانَ مَا أكتشِفُ أَنِّي امرَأتُهُ بأَعضَائِي المَبتُورَة،
أَتَهَيأُ لِِلقاءٍ يَنثُرُ سَوادَ كُهولَتِي عَلى مَقعَدِه.
أَبْحثُ عَن مَشهَدٍ آخَر لِلصَّباحِ
لئلاَّ يَتَسَرَّبَ لَونُ اللَّيلِ لِسَاعاتِهِ..
لئلاَّ يَكونَ أَثقَلَ مِن أَجسادِنَا الخَامِلة..
أَبْحَثُ للنَّومِ عَن رَغبَةٍ بالخُروجِ
مِن استدَارَةِ أَحلامِه،
وأُبقي البَابَ مُوارِبًا لِوسَادَتِه.
أَدنى مِن يَاسَمينَةِ جَسَدِهِ المُسجَّى
أبعدَ مِن مَدى ضَوءِ قِنديلِهِ الخَافِتِ الَّذي
لا تُغريهِ شَهوةُ الكَلامِ؛
تَتآكَل أَصَابِعُهُ بِلَهفَةِ لَهثِهَا، وَيَتَساءَلُ:
- كَيفَ نُقَدِّم لِلنَّار فَتِيلَةَ الأَيامِ؟
قَطرَةٌ تَنسَابُ مِن رَعدِ السَّماءِ..
قَطراتٌ تغسلُ اللَّذات عندَ مُخمَلِ المَساءِ؛
تُحَاوِل أَن تَغورَ فِي الأَعمَاقِ
حيثُ القراءةُ الصِّفر مشَبَّعَةٌ باشتِهَاءِ الذاتِ؛
تُذرَفُ شَامَات بَيَاضٍ
تُقامِرُ الجُرحَ عَلى نَزفِهِ
تُلاحِقُ بِجُرعَتِهَا سَريَانَ الوَبَاءِ
تُواري نُتوءاتِ السَّوادِ
تَمتَدُّ بَيَاضًا فِي مَعناها داخلَ الجَسد الظمآن.
كَم كُنتُ خَائِفَةً مِن هُطولِ المَطَرِ
مِن قَطَراتِ المَاءِ التِي تَهطُلُ عَليَّ
لأَن تُوضِّحَ مَلامِحَهُ دَاخِلِي،
أَو أَن أُولَدَ مِن جَديد دُونَهُ!
- هَل لِلمَاءِ أَن يَلِدَنَا مِن جَديدٍ مَرَّاتِ وَمَرَّات؟!
(لِتَرتِيلِ وِلادَتِهَا؛
سَرابُ لَحظَةٍ تُكَلِِّلُنَا فِي أَحَدٍ مُجَازَةٍ صَلاتُه!)
لِلسِّنينِ خَاتمُ الرَّملِ، ونوَّارٌ يَشتعلُ غَفَوةً وَتَعَبًا..
- هَل أَورَقَت جَنَباتُ الصُّخورِ يَاقوتًا وَبَيلَسانًا؟
لا لَونَ لِفَراغِكِ عَلى شُرفَةِ الضَّوء..
الشَّمسُ لا تَحتَملُ، بَعدُ، إبعَادَكَ
عَن أشِعَّةِ حُروفِها الدَّاكنة.