إنّ الدارس للأدب العربي يجدهُ بستاناً متعدّد الألوان بأغراضه ,متنوع الثمار بموضوعاته ,ممثلاً النشاط الإنساني بجميع أشكاله , فيه الجدّ في موضع الجدّ ,كما فيه الهزلُ في موضع الهزل ِ ,فلكلّ مقام ٍ مقال ,كما أنّ لكل زمان لبوساً وأحوالاً.
وإذا كان الباحثون المحدثون قد أتحفوا القراء بكلّ ما هو جميل في حقول الأدب المختلفه ,فأنّ الاهتمام باللون الباسم منه كان محدوداً ,مع أنّ العديد من أكابر السلف قد رصعوا كثيراً من مؤلفاتهم بالأخبار الضاحكة , والطرائف الممتعة ,والمُلح العَذبه , والنوادر الشيّقة .
وإذا كان النشاط الإنساني يتجدّد بالفكاهة والضحك , والإنسان يميلُ بطبعه إليهما لأنه لا يحتمل الجدّ المتواصل ,فلا يعني ذلك أن تتحول سيرته مُزاحاً خالصاً وهزلاً دائماً .
والترويح عن النفس من أعباء الحياة وهمومها لا يتناقض مع الحرص على المروءة والوقار,إذ لم ينجُ من هذه المواقف أكثر الفئات جدّية ووقاراً في المجتمع الإنساني بكافه أطيافه وانواعه.
وهذا الأدب هو الذي جمع لنا كافه الفنون الأدبيه المتنوعه من شعر وقصص وحكمة وموعظة ومثل ونكت في قالب أدبي رصين , فهو الأدب الذي ترتاح إليه النفس , ويتغذّى به العقل , وتسمو به العاطفه , ويهفو له الفؤاد , ويستقيم معه اللسان العربي .
إنه الأدب الذي صور لنا عصور تلك الأمم السالفه ,,بل وصور لنا أحوالهم ومواقفهم وبيئتهم , ورصد لنا ثقافه وحضاره وبيئه ولغة عصور أصحابها ,مع الإبقاء على نكهتها الأصيله , وملامحها اللغوية الحضاريه , في نهر ينبع من صميم العروبه والتراث والأصاله العريقة.