--------------------------------------------------------------------------------
أغلب الشائعات التي خرجت في السنوات الماضية كان معظم "دخانها" يستند إلى "نار"، صحيح أن بعض النار كان كذبا بيّنا إلا أن نظرية المؤامرة كانت حاضرة وبشدة.. فالناس صدقت نفسها لأنها نفسها -اللي هي الناس برضه- تريد أن تشعر بأهميتها في هذا الكون حتى ولو كان ذلك على سبيل "الإشاعة".. وسيظهر هذا واضحا في أشهر تسع شائعات عرفتها مصر في السنوات الماضية..
الشائعة الأولى: الماء فيه سم قاتل!
سبب انتشارها: حالات التسمم التي وقعت لبعض من المواطنين بعد شربهم المياه، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفشل الكلوي لدى المصريين "نسبة الإصابة بهذا المرض في مصر أربعة أضعافها في دول العالم الأخرى" بسبب تلوث المياه، ناهيك عن أن أي مواطن صالح لديه "أنف شمامة" و"لسان ذواقة" سيكتشف حتما أن سرسوب البتاع الذي ينزل إليه عذبا رقراقا من الحنفية ليس صالحا -في معظم الأحوال- للاستخدام الآدمي، أضف إلى ذلك أن أيا من المسئولين عند ظهوره في التليفزيون تجد أمامه دوما زجاجة مياه معدنية وهو ما تم تفسيره شعبيا على أنهم "بيشربوا المية الكويسة وسايبين لنا المية الوحشة!"، اللافت أن المياه المعدنية لم تسلم هي الأخرى من الشائعات خاصة بعد اعتراف شركة كبرى بأن مياهها التي تعبئها في زجاجات وتبيعها للناس لا معدنية ولا حاجة وإنما هي قادمة للتو من الحنفية.. ملوثة برضه يعني!
نسبة صحتها: كبيرة جدا وتكاد تصل إلى 100% أي إلى حد الحقيقة العلمية المؤكدة.. إنت مابتشربش ميه في بيتكم ولا إيه؟!
الشائعة الثانية: لو قربت من فرخة هتكاكي وهتموت!
سبب انتشارها: فيروس أنفلونزا الطيور لما حط في مصر، وطريقة التعامل الحكومي مع المرض بشكل فيه فزع مبالغ أكثر من الجدية المستندة إلى خطط ودراسات مسبقة، الأمر الذي جعل المصريين يطلقون شائعة "لو قربت من الفرخة هتكاكي وهتموت.. وجايز تموت قبل ما تكاكي كمان!"، وذلك لم يقف عند حد الدجاج الحي فقط بل طال الدجاج المذبوح والمجمد والمطبوخ والذي يفترض أن الفيروس غير موجود به، النتيجة المباشرة لذلك كانت انهيار تجارة الدواجن في مصر والتي تقدر قيمتها بمليارات الجنيهات.
نسبة صحتها: لا بأس بها.. لاحظ أن هناك ما يقرب من 30 مصريا لقوا حتفهم بسبب فيروس أنفلونزا الطيور.
الشائعة الثالثة: الحزام واللبان الجنسي..
سبب انتشارها: عضو مجلس شعب في الحزب الوطني يبدو أنه لم يكن يجد شيئا يفعله في حياته سوى إطلاق هذه الشائعة التي انتشرت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وهي سنوات هادئة رتيبة لم يكن فيها حديث عن توريث للحكم أو حركة "كفاية" أو انتخابات رئاسية، وشائعة مثل هذه "لبان إذا مضغته وحزام إذا وضعته على وسطك أصابك بعجز جنسي كامل" كان من السهل جدا أن تنتشر في مثل هذا الوقت، خاصة وأن المصريين لديهم هوس بكل ما هو متعلق بالجنس، ولإضافة بهارات على الشائعة تم تأكيد أن "إسرائيل" هي التي تقف وراء إدخال الحزام واللبان الجنسي إلى مصر لضرب الخصوبة المصرية في مقتل!
نسبة صحتها: ضعيفة جدا.. لم يعثر أحد حتى وقتنا هذا على الحزام الخارق أو ذلك اللبان المعجزة، كما أن صحة المصريين الجنسية ضعيفة بالأساس -من الفرح اللي بيشوفوه في حياتهم- وليسوا في حاجة إلى مؤامرة إسرائيلية على خصوبتهم!
الشائعة الرابعة: الفتاة.. "المسخ"!
سبب انتشارها: صحيفة حوادث صفراء باقتدار نشرت صورة مركبة لكائن خرافي بشع الخلقة، وكتبت أسفل الصورة أن هذا المسخ ليس سوى فتاة خرجت عن دينها وداست بقدميها على نسخة من القرآن الكريم فسخطها الله على الفور إلى هيئتها البشعة هذه، باعت الجريدة عددا فلكيا من النسخ على حس هذا الموضوع الافتكاسة، ولما بدا أن السبوبة احلوت نشروا في العدد التالي حوارا مع الفتاة المسخ نفسها! اعترفت فيها بخطيئتها ودعت القراء إلى أن يساعدوها في العودة إلى الله! -لاحظ أن أحدا من الذين يصرخون الآن حول ميثاق الشرف الصحفي والحق يا جدع لم ينطق بحرف واحد ضد هذه الخزعبلات- ولأن الدين لدى المصريين يحتل مكانة كبيرة وعظمى حتى ولو لم يطبقوا مبادئه وشرائعه فإن الشائعة وجدت طريقا سهلا للانتشار للدرجة التي دفعت البعض لحد القسم بأن القصة صحيحة وأنه قابل الفتاة المسخ شخصيا! –خد بالك أن المسخ هنا فتاة وليس رجلا؛ لأن هذا يتماشى مع المزاج الشعبي الذي يعتقد بأن المرأة ليست سوى "خطيئة" تسير على قدمين وهي التي يجب أن تتحول إلى مسخ.
نسبة صحتها: صفر طبعا.. ليس لأن الجريدة غير موثوق بها وليس لأن هذا الكلام "هجص" باقتدار لكن لأن مجلة "نصف الدنيا" كشفت بعد انتشار الشائعة بعدة أسابيع أن صورة الفتاة المسخ ليست سوى لوحة معلقة في أحد متاحف "أوربا".. فن برضه!
الشائعة الخامسة: "صدام" ماماتش!
سبب انتشارها: الانطباع السائد عن "صدام حسين" ككل الحكام الديكتاتوريين أنه إله لا يموت أبدا، بالإضافة إلى أن رباطة الجأش والشجاعة التي أبداها الرئيس العراقي السابق أثناء محاكمته وحتى قبل لحظات من إعدامه، جنبا إلى جنب أن كثيرا من المصريين لا يزالون يحملون ذكريات طيبة عن الأيام التي قضوها في العراق والخير الذي أتوا به من هناك، ومن أن "صدام" -شئنا أم أبينا- تحول إلى رمز لمقاومة أمريكا وجبروتها، كل هذه العوامل جعلت الشائعة تخرج من مصر تحديدا ولا تخرج من العراق موطن "صدام" الأصلي -لاحظ أن الشائعة مستندة إلى شائعة أخرى تقول بأن الشخص الذي قبضت عليه القوات الأمريكية في تلك الحفرة الشهيرة لم يكن "صدام حسين" أصلا وهي الشائعة التي روجت لها جريدة "الأسبوع" في حينها بكل ما أوتيت من قوة.
انتشار الشائعة بين المصريين دفعت الكاتب "أنيس الدغيدي" -وهو شخص لا تختلف كتبه كثيرا عن أفلام "إيناس الدغيدي"!- إلى أن يصدر كتابا بعنوان "صدام لم يُعدم وعدي وقصي لم يقتلا. أكاذيب أمريكا وأسرار لعبة الشبيه" -أيوه كل ده عنوان للكتاب- وفيه قال إنه يمتلك 147 دليلا على أن الذي مات ليس هو الرئيس العراقي السابق.. وبالطبع حقق الكتاب أعلى المبيعات عندما صدر في الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب!
نسبة صحتها: صفر بكل تأكيد.. إذا لم تكن تصدق شريط الفيديو الذي أظهر لحظات إعدام "صدام" بالصوت والصورة فعليك أن تذهب مباشرة إلى مدينة "العوجة" بالعراق لترى قبر "صدام حسين" هناك مكذبا كل هذه الشائعات.
الشائعة السادسة: في صحة الرئيس.. وأفعاله!
سبب انتشارها: منذ آلاف السنوات ولم يكن أمام المصريين سبيل أمام سيطرة حكم الفرد الذي يكبس على أنفاسهم سوى طريقين للتنفيس..إما إطلاق النكات على الحاكم أو إطلاق الشائعات عليه.. وكلا الوسيلتين بهما ملمح "انتقام وتشفٍ" واضح، بالإضافة إلى عجز شديد عن القيام بفعل إيجابي في ذات الوقت، وقد طالت الشائعات حكام مصر سواء كانوا ملوكا أو رؤساء فالملك "فاروق" مثلا قيل عنه إنه سكير و"قمارتي" وباحث عن النساء بأي طريقة..
وفيما لم تثبت أي شائعة من هذه الشائعات حتى وقتنا هذا، رحل الرجل وبقيت الشائعات عالقة به إلى وقتنا هذا، الرئيس "جمال عبد الناصر" لحقت به شائعات أنه ساهم أو سهل في عملية قتل المشير "عبد الحكيم عامر" بعد الخسارة المذلة في حرب يونيو 1967 ولم يثبت هذا طبعا رغم وفاة "عبد الناصر" منذ ما يقرب من أربعين عاما وهي الوفاة التي كانت محلا للشائعات بدورها بعدما قيل إنه مات بسبب تناوله لمشروب به سم دسته له المخابرات الأمريكية. الرئيس "السادات" قيل أيضا إنه كان يتعاطى بعض أنواع المخدرات بل إن الشائعات تطورت في هذا الأمر وتحولت إلى نكات لاذعة.
أما الرئيس "مبارك" فإن أهم الشائعات هي تلك التي لحقت بصحته خاصة في السنوات الأخيرة بعدما تعرض لوعكة صحية أثناء إلقاء خطاب له في مجلس الشعب منذ عدة سنوات.
نسبة صحتها: نعم! دول ناس كبار قوي.. صفر % طبعا.. صفر!.. لا ده بالسالب كمان!
الشائعة السابعة: ده فاتح الشقتين على بعض!
سبب انتشارها: هي مرتبطة بالشائعة السابقة المتعلقة بصحة الرئيس وأفعاله بل إنها تمتد لتطول كل المسئولين الكبار من أول رئيس الوزراء -أي رئيس وزراء- وحتى الخفير النظامي! وتنطلق من فكرة وجيهة مفادها أن كل المسئولين في الدولة يفتحون كل الطرق والأبواب المغلقة أمام أبنائهم وأحفادهم وأقربائهم وجيرانهم أيضا! لذا وأنت تشتري طفاية الحريق ستجد من يهمس في أذنك بأن "فلان الفلاني" ابن المسئول الكبير مشارك فيها بالغصب والاقتدار، ولا يقف الأمر عند ذلك بالطبع بل سيطول الشاي والسيراميك والزيت والسمن والملابس والسيارات، ووصل الأمر إلى حد إطلاق النكات التي تؤكد الشائعة مثل تلك التي تروى عن ابن مسئول كبير قوي لما امتلك شقة في الإسكندرية وأخرى في أسوان طلب من والده أن يفتحهما على بعض!
والشاهد أن حالات فساد المسئولين الكبار وأبنائهم التي يتم الكشف عنها –أحيانا- هي السبب الرئيسي في ظهور مثل هذه الشائعات بالإضافة إلى أن السلطة والسطوة والإمكانيات التي يتمتع بها المسئولون في مصر فور أن يجلسوا على كراسيهم مغرية جدا بصراحة!
نسبة صحتها: كبيييييييييييييييييييييييييييييرة قوي.. فوق ما تتصور.. صدقها يعني!
الشائعة الثامنة: الجواز هيغلى.. البنزين هيولع!
سبب انتشارها: نموذج مثالي للشائعات التي تنتشر بسبب انعدام الثقة بين الحكومة والشعب، فالأخير لا يتوقع أن تقوم الأولى بمراعاة ظروفه وهي تأخذ موقفا ما أو وهي تصدر قانونا جديدا، فلما تقترب السنة الميلادية من نهايتها وتتناثر أقوال عن نية الحكومة في وضع قانون جديد للأحوال الشخصية يطلق أحدهم شائعة عن أن التكاليف الحكومية للزواج المرتبطة بالأوراق والتمغات وما شابه ستزيد أربعة أضعاف فيسارع كل المخطوبين بعقد القران..
يحدث هذا أيضا فيما يتعلق برفع أسعار البنزين، وهي الشائعة التي تنطلق عندما يحدث وتعلن إحدى محطات الخدمة أن البنزين الذي لديها قد نفد، فيتم تفسير ذلك على أساس أنه تعطيش للسوق حتى يتم رفع أسعار البنزين.. وعليه ستجد السيارات وقد تزاحمت بشكل لا يصدقه عقل -وخاصة في الساعات الأخيرة من الليل- حتى تلحق البنزين قبل ارتفاع أسعاره.
نسبة صحتها: 50% في معظم الأحوال.. تكاليف الزواج لم تتضاعف صحيح لكن أسعار البنزين ترتفع إذ فجأةً.. فخلي بالك!
الشائعة التاسعة: الشيخ الذي تنصر والقسيس الذي أسلم!
سبب انتشارها: المناخ الطائفي والتشدد الديني بامتياز الذي تعيشه مصر منذ سنوات والذي يجعل اشتعال الخناقات والمشكلات بين المسلمين والمسيحيين أسهل من دخول الحمام والخروج منه، وعليه يبحث كل فريق متشدد عن وسيلة جديدة لإغاظة الطرف الآخر وتأكيد أن الدين الذي ينتمي إليه هو الأفضل والأبقى والأكثر إيمانا وإقناعا حتى أن الرموز الدينية في الفريق الآخر تهرول إليه دوما، كان للإنترنت وللمواقع المتشددة اليد الطولى في انتشار مثل هذه الأمور.
نسبة صحتها: غير موثوق بها على الإطلاق.. من أين لك أن تعرف وتتأكد من أن الشيخ فلان الفلاني الذي يحكي لك قصة تحوله للإسلام عن المسيحية كان قسا بالأساس، وهو نفس المنطق الذي يجعلك تتشكك في قصة ذلك الشيخ الذي تحول عن الإسلام معلنا أنه تنصر وأصبح مسيحيا.