قبل الخوض بواقع النيابة العامة والإطلاع على حاضرها لا بد من المرور
بلمحة تاريخية للمراحل التي شهدتها النيابة العامة في فلسطين عبر العصور ، فقد اختلف النظام القانوني في فلسطين من فترة زمنية إلى أخرى نتيجة للظروف التي مرت بها بحكم اختلاف السلطات والإدارات التي حكمتها مما أثر على الطبيعة القانونية للنيابة العامة ودورها واختصاصها وتنظيمها فقد خضعت فلسطين إلى الحكم العثماني قرابة الأربعة قرون طبقت خلالها التشريعات العثمانية ، وكان للتشريع الجزائي أهمية خاصة في تجريم الأفعال المحظورة ووضع العقوبات عليها وفي تحديد الجهة الموكل إليها مهمة تحريك ومباشرة الدعوى العمومية وصلاحياتها ، حيث أنيطت صلاحية إجراء التحقيق في الجرائم وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية العثماني إلى( المستنطقين ) الذين يتم تعيينهم بقرار من إدارة الحضرة السنية السلطانية ، وتجري تلك الأعمال التحقيقية تحت إشراف ورقابة ( المدعي العمومي ) وقد شكل القانون الجهات المختصة للادعاء أمام المحاكم في المجازاة القانونية ، فأعطى حق الإدعاء أمام محكمة القضاء الابتدائية للمدعي العمومي ومعاون المدعي العمومي ، وصلاحية الإدعاء أمام محكمة الألوية الابتدائية للمدعي العمومي ولدى محكمة التمييز لرئيس المدعيين العموميين والذي يتولى الإشراف على جميع المدعين ومعاونيهم والمستنطقين ، وحدد القانون أشخاص الضابطة العدلية المكلفة بجمع الأدلة والاستدلالات والقبض وأناطها بمأموري ضابطة العدلية والذين يمارسون وظائفهم بمعرفة القائم مقام والمدعين العموميين والمستنطقين وضباط الضابطة ومخاتير القرى وأعضاء مجالس شيوخها والنواطير .
وبعد أن بسطت المملكة المتحدة البريطانية سيطرتها على فلسطين عام 1917 استمر العمل بالقوانين العثمانية ومن ضمنها قانون المحاكمات الجزائية حتى صدور مرسوم دستور فلسطين عام 1922 والذي يقضي بأن للمندوب السامي السلطة التامة بوضع القوانين لانتظام الحكم في فلسطين دون الإخلال بسلطات جلالته ، وبموجبه أصدر المندوب السامي العديد من القوانين منها ما يلغي القوانين العثمانية ومنها ما هو تشريعات جديدة مثل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 4 لسنة 1924 والذي وضع أحكاماً تعطى محاكم الصلح صلاحية إصدار مذكرات الضبط والتفتيش ، وعلى ضوء صدور قانون تعديل أصول المرافعات رقم 21 لسنة 1934 أعطيت صلاحية إقامة الإجراءات الجزائية أمام محاكم الصلح للنائب العام أو من يمثله أو مأموري البوليس أو أي شخص يجيز له القانون وذلك في جرائم الجنح والمخالفات ، أما في جرائم الجنايات فقد نظمها أصول المحاكمات الجزائية ( المحاكم الإتهامية ) وقد عنى المشرع بوضع إجراءات التحقيق الأولية بيد قاضي التحقيق
( قاضي الصلح ) ومن ثم يقرر إحالة المتهم أمام محكمة الجنايات أو المركزية أو يقرر رد التهمة عن المتهم وللنائب العام بالرغم من ذلك أن يقرر إحالته إلى المحاكمة .
ولدى جلاء الانتداب البريطاني عام 1948 واحتلال الكيان الإسرائيلي جزءاً من فلسطين انقسم الجزء الباقي إلى منطقتين :
1- الضفة الغربية , وخضعت للإدارة الأردنية .
2- قطاع غزة , وخضع لمراقبة القوات المصرية .
وفيه استمر أداء النيابة العامة بنفس النظام القائم زمن الانتداب حتى صدور الأمر رقم 473 لسنة 1956 عن الحاكم الإداري العام والذي حدد اختصاص النيابة العامة بالتحقيق في كافة الجرائم ورفع الدعوى الجنائية ومباشرتها وللنائب العام تفويض من يشاء من الموظفين ورجال البوليس للقيام بأعمال النيابة وخول ممثلي النائب العام سلطة إصدار أوامر القبض والتفتيش والتحري والتي كانت من صلاحية حاكم الصلح ، ثم صدر الأمر رقم 554 لسنة 1957 الذي أعطى النائب العام ومن يمثله صلاحية التحقيق في الوفيات المشتبه فيها والاختصاصات الواردة في قانون الوفيات المشتبه فيها لسنة 1926 والتي كانت من اختصاص قاضي التحقيق .
وفي عام 1967 احتلت إسرائيل باقي المناطق الفلسطينية وأصدرت خلالها الكثير من الأوامر العسكرية التي طالت العديد من القوانين والأنظمة السارية المفعول بالإلغاء أو التعديل لما فيه من مصلحة لتكريس الاحتلال وبسط نفوذه على فلسطين حتى قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية وتوليها السيادة على جزء من الأراضي الفلسطينية وعندها أصدر رئيس السلطة القرار رقم ( 1 ) لسنة 1994م والذي قرر فيه استمرار العمل بالقوانين والأنظمة التي كانت سارية قبل حزيران عام 1967م حتى يتم توحيدها . وبعد انتخاب المجلس التشريعي في شهر يناير عام 1996م باشر بإصدار العديد من القوانين الموحدة ومنها قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001م والذي اختص النيابة العامة بإقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها ، وبين بشكل مفصل الاختصاصات والإجراءات المتبعة لتحريك الدعوى الجزائية في كافة مراحلها وأعطى للنائب العام صلاحية الإشراف على مأموري الضبط القضائي وأخضعهم لمراقبته .
وكذلك قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002م الذي أكد على اعتبار النيابة العامة شعبة من شعب السلطة القضائية ، وحدد تشكيل النيابة العامة وشروط تعيين النائب العام وأعضاء النيابة وبين واجباتهم وطرق ترقيتهم ومساءلتهم .