منتديات عائلة شرير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ملتقي عائلة شرير فى الوطن والشتات
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
ملــتقي ومنتديـآت عائلة شـريـر ترحـب بآعــضآءها والضـيوف الـكرآم فـآهلا وسـهلا بكـمّ

 

 سلسلة أسماء الله الحسنى ( عالم الغيب والشهادة ) للشيخ محمد راتب النابلسى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو حمزة
ع ـضو جديد
ع ـضو جديد
أبو حمزة


عدد المشاركات : 45
تاريخ التسجيل : 19/03/2008

سلسلة أسماء الله الحسنى ( عالم الغيب والشهادة ) للشيخ محمد راتب النابلسى Empty
مُساهمةموضوع: سلسلة أسماء الله الحسنى ( عالم الغيب والشهادة ) للشيخ محمد راتب النابلسى   سلسلة أسماء الله الحسنى ( عالم الغيب والشهادة ) للشيخ محمد راتب النابلسى Icon_minitimeالخميس أبريل 10 2008, 15:11

المحاضرة رقم "90" : اسم الله : "عالم الغيب والشهادة"


بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

مع الاسم التسعين من أسماء الله الحُسنى ، والإسم هو عالم الغيب والشهادة ، وهذا الإسم كما تعلمون زائدٌ عن التسعة والتسعين اسماً ، التي وردت في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
عالم الغيب ، الغيب مصدر غاب أي استتر عن العين ، غابت الشمس أي استترت وراء الأفق .. بل إن الغيب ستعمل في كلِّ غائبةٍ تغيب عن الحواس ، أيةُ غائبةٍ تغيب عن الحواس فهي غيبٌ بالنسبةِ إلى الإنسان ، وكلُّ شيء غاب عن علم الإنسان فهو غيب .. لكن هذه الكلمات ، وتلك هي التعريفات بالنسبةِ إلى الإنسان فقط .
لو أنّ إنساناً يقف خلف حاجز ، هذا حاجز يُغَيُّبُ عنه ما وراءه ، أما الذي يقف أمانم الحاجز فإنه يرى كل ما غيَّبه ذلك الحاجز ، نقول هذا المكان غيبٌ بالنسبة لمن يقف وراء هذا الحاجز ، أما الذي يرى من قبلُ ومن بعدُ فليس غيباً بالنسبة إليه ، هذا كلام سوف ينفعنا كثيراً بعد قليل .
عالم الغيب ، الغيب بالنسبة إلينا ، لا أحد من بني البشر يعلم الغيب ، وقد ذكرت في بحث سابق أن الغيب أنواع .. نوعٌ من الغيب استأثر الله به ، لا يُعْلِمُه أحداً من خلقه كائناً من كان .. من هذا الغيب موعد يوم القيامة ، ومن هذا الغيب قيامة الإنسان الصُغْرى : الموت ولحكمةٍ بالغةٍ جداً أنّ الإنسان لا يعلم متى يموت ، وهذا لصالحه ، فلو علم تباطأَ بالتوبة وخسر الآخرة .. فكلُّ شيءٍ يغيب عن علم الإنسان هو غيب ، لكن ربنا عالم الغيب والشهادة .
مثلٌ بسيطٌ جداً من يقف هنا في هذه الغرفة لا يعلم ماذا يجري في الغرفة التي تليها ، أما ربنا جلَّ جلاله كلّ شيء أمامه مكشوف ، عالم الشهادة التي تشهده ، وعالم الغيب الذي يغيب عنك .
في بلدٍ مجاور وقعت مآسٍ كثيرة ، ستمرت هذه الحروب أكثر من ستة عشر عاماً ، أكلت الأخضر واليابس ، أعرف واحداً يسكن في ذاك البلد المجاور ، وله معمل ، وله تجارة ، وقبل أن يقع أي حادث ضاقت عليه نفسه وضاق به ذلك البلد أشدَّ الضيق وتعثرت أموره ، إلى أن انتقل إلى الشام هو وتجارته ومعمله ، وبعد أن انتقل ، بدأت المشكلات وإحترقت المعامل وأتْلِفَ المال، وانتهى كلُّ شيء إلى دمار و خراب .
مَن الذي سيعلم ما سيكون ؟ الله جلَّ جلاله ، فإذا كنت معه ألهمك رشدك ، ألهمك تصرفاً يحفظك به ، أو ألهمك تصرفاً ترضى بنتائجه لأن الغيب معلوم لديه ، فأنت لا تعلم الغيب ، قد تشعر بحاجة إلى أن تغادر هذا المكان ، فتغادره ، وبعد أن تغادره تنشأ مشكلة أنت عاجز عن مواجهتها، كذلك قد تشعر بانقباض في أن تسافر على هذه الطائرة ، فتحجم عن السفر عليها فتسقط الطائرة ، من الذي يعلم الغيب ؟ الله وحده ، إذا كنت مع الله فهو الذي يعلم الغيب ويحفظك بهذا العلم ، يعلم الغيب ويوفِّقُكَ ، يعلم الغيب ويلهمك رشدك ، يعلم الغيب ويكيد لك ، يعلم الغيب ويدبِّر أمراً يحفظك به .. الغيب عند الله كالشهادة ، عَلِمَ ما كان وعَلِمَ ما يكون ، وعَلِمَ ما سيكون، وعَلِمَ مالم يكن لو كان كيف كان يكون .
إذاً لا يَعْزُبُ عن الله جلَّ جلاله مثقال ذرةٍ في السموات ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر .. إذا كنت معه وهو الذي لا يغيب شيءٌ عن علمه يوجهك إلى الخير ويدفع عنك الشر قبل أن يقع
هناك حوادث كثيرة جداً تغني هذا الموضوع .. إنسان قبل اجتياح الكويت بأيام سحب أمواله كلها دون أن يشعر لماذا فعل ذلك ، حَفِظَ الله له أمواله ، يبدو أنه كان يؤدي زكاة ماله .
شيء لا يصدق أحياناً ، الأحداث أحداث خطيرة تقع ، أنت قبل أن تقع يحفظك الله منها ، يلهمك أن تغادر ، يلهمك أن تنقل مالك من مكان إلى آخر ، من جهةٍ إلى جهة ، من عُملةٍ إلى عُملة ، وأنت لا تدري ، لأن الله يعلم الغيب ، فإذا كنت معه وتؤدي حقوق العباد ، وتقيم منهج الله يحفظك ، وعلمه للغيب يفيدك به إذ ربنا جلَّ جلاله يصرِّف الأحوال ويقبلها لصالح عباده المؤمنين .
أما الشهود والشهادة ، الحضور مع المشاهدة ، عالِم الغيب والشهادة ، أي أنت حاضر وتشهد ، عالَم الغيب أي غاب عنك ، عالَم الشهادة حضرت وشهِدت ، إما بالبصر أو بالبصيرة ، البصر رؤية العين ، والبصيرة رؤية القلب ، قال الله تعالى :



(سورة الأنعام)
ذُكر اسمه هذا في آياتٍ كثيرة .. طبعاً الحضور والشهود هو الأصل ، أما العلم والشهود فهو فرع ، قد تحضر وتشاهد بأمِّ عينك ، وقد تعلم وكأنَّك تشاهد .
لكن من اللطائف في قوله تعالى :


(سورة الفيل)
مع أن هذا الحادث لم نره نحن ، فالله سبحانه وتعالى قال: " أَلَمْ تَرَ " .. قال بعض العلماء : " يجب أن يقع إخبار الله لك موقع الرؤية لمصداقية الله عزَّ وجلَّ " .
شهَدُه كسمِعَه ، شهده شهوداً أي حضره ، أنا شهدت الجنازة أي حضرتها ، شهدت هذا الحفل أي حضرته ، شهدت هذا المأتم ، شهدت هذه المشكلة أو الواقعة أي حضرتها ، عالم الغيب والشهادة.
ومن ثمَّ فما معنى قوله تعالى :


(سورة البقرة)
أي أن الله جلَّ جلاله لا تدركه الأبصار ، غابت عنا ذاته وبقيت آثاره ، نحن من آثاره نتعرف إليه وهذه مهمة العقل .. أدواتٌ ثلاث للمعرفة، إما أن ترى بحواسك ، وإما أن تدرك بعقلك ، وإما أن تتلقى خبراً بأذنك ، هذه هي أدوات المعرفة وليس هناك أداةٌ أخرى .. إن كان هناك أداةٌ أخرى كالإشراق ، أو الإلهام أو الرؤيا الصالحة يجب أن تكون مقيدةٌ بالشرع ولا نقبل لا رؤيا ولا إلهاماً ، يخرم الشرع قِيد أَنمُلة .. ديننا دينٌ كاملٌ تام .. قال تعالى :


(سورة المائدة)
" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا " .. ديننا دينٌ كاملٌ تام.
لو أنَّ رجلاً رأى النبي عليه الصلاة والسلام طبعًا في المنام ، هكذا قال العلماء ، وأمره بما يخالف الشرع ، تردُّ الرؤيا ويثبت الشرع .. بل لو أنَّ قاضياً رأى في الرؤيا أنَّ هذا الشاهد كاذب لا تقبل شهادته ، وهو عنده في اليقظةِ صادق يجب ألا يأخذ بالرؤيا .
الرؤيا يستأنس بها ولا يعتمد عليها إطلاقاً ، لا في حكمٍ شرعي ، ولا في إثبات قضية ، ولا في تصحيح حديث ، ولا في تقييم إنسان .. الرؤيا والإلهام مصادر فرعية للمعرفة ، إلا أنها يجب أن تنضبط بالشرع .
من معاني الغيب أيضاً ، يؤمنون بالغيب ، يؤمنون بشيءٍ غاب عنهم ، ذات الله لا نراها لكن نرى آثار خلق الله ، مصير الإنسان لا نراه، لكن الله أخبرنا عن مصير الإنسان إما في جنةٍ يدوم نعيمها ، أو في نارٍ لا ينفد عذابها .
الخلاصة أن الغيب بالمعنى الثاني الدقيق ، مالا يقع تحت الحواس أبداً ، الشيء الذي يقع تحت الحواس عالم الشهادة ، والشيء الذي لا يقع تحت الحواس عالم الغيب ، لكنَّ الله عالم الغيب والشهادة .
فإذا الإنسان لم يؤمن بالغيب أصبح كافراً ، من لوازم المتقين أنهم يؤمنون بالغيب ، أي عقلك يعطيك دليلاً قطعياً ، على أنه لا دخان بلا نار النار ، لا تراها ، لكنَّك رأيت الدخان ، وعقلك يعطيك دليلاً قطعياً على أنَّ في المسجد كهرباء وأنت لا ترى الكهرباء ترى آثارها ، ترى حركة المراوح وتسمع تكبير الصوت ، وترى تألُّقَ المصابيح فقط ، تحكم على سريان تيار الكهرباء من آثارها .
بعضهم قال إنَّ الغيب هو القرآن الكريم أو إنه القدر ، لكن الغيب كلِّ شيء غاب عن حواسِّك ، أو كلُّ شيء غاب عن علمك ، وعالم الشهادة كلُّ شيء تشهده .
لقد ذكرت في بداية البحث أن الغيب أنواع ، نوع من الغيب استأثر الله به ، ونوعٌ أطْلَع بعض أنبيائه عليه .
قال الله تعالى :


(سورة الجن)
لذلك فإنّ النبي عليه الصلاة والسلام ، في أحاديث كثيرة حدثنا عن أشراط الساعة ، الكُبْرى والصُغْرى ، وحدثنا عن آخر الزمان ، وكيف أن الأَمَةَ تلد ربَّتها ، وكيف أن الحفاة العراة ، رعاء الشاة يتطاولون في البنيان، وكيف يوسَّد الأمر إلى غير أهله ، وكيف يكون المطر قيظاً والولد غيظاً ويفيض اللئام فيضاً ، ويغيض الكرام غيضاً ، وكيف يُأْمر بالمنكر ، ويُنهى عن المعروف ، وكيف يُصدَّق الكاذب ، ويُكذَّب الصادق ، ويخَوَّنُ الأمين ويُؤتمن الخائن ، وكيف تركب ذوات الفروج السروج ، وكيف تكثر الأشجار وتقلُّ الثمار ..
هناك أحاديث كثيرة جداً عن أشراط الساعة ، من أين جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام ؟ هو لا يعلم الغيب بذاته وأكبر دليل لمّا جاءه وفدٌ ليأخذ القُرَّاء ، أعطاهم النبي سبعين قارئًا ثم غدروا بهم في الطريق وقتلوهم ، لم يعلم النبي بهذه الواقعة ، وهذه الواقعة لها دلالة كبيرة جداً ، أي أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب بذاته إلا أن يُطلعه الله عليه .. بل إنه حينما اختار موقع بدر، جاء صحابي جليل اسمه الحُباب بن المنذر ، قال يا رسول الله : أهذا الموقع وحيٌ أوحاه الله إليك، أم هو الرأي والمشورة ؟ قال : بل هو الرأي والمشورة ، فقال هذا الصحابي الجليل انطلاقاً من غيرته على الإسلام و المسلمين : يا رسول الله ليس هذا بموقع ، الله عزَّ وجلَّ أطلع النبي على آلاف القضايا التي هي أقل من هذا الموضوع ، ولكن شاءت حكمته أن يعلِّمنا النبي أدب الإصغاء إلى النصيحة ، يعلمنا النبي وهو قدوتنا وأسوتنا أدب الإصغاء إلى النصيحة فلما سأله أين الموقع الذي تختاره ؟ قال هناك يارسول الله ، وأشار إليه وأعطى الرسول صلى الله عليه و سلم أمراً بالإنتقال إليه .
إذاً : الغيب لا يعلمه إلا الله ، والشهادة يعلمها الإنسان في حدود إمكانه .. فالغيب الذي يمكن أن يُطلع الله نبيه عليه ، أنواعٌ ثلاثة : غيب الماضي ، وغيب الحاضر ، وغيب المستقبل .. غيب الماضي قبل الوقت الذي تعيش فيه ، وغيب المستقبل بعد الوقت الذي تعيش فيه ، وغيب الحاضر غير المكان الذي تجلس فيه .
مثلاً : أنا في دمشق لا أدري ماذا يجري في حلب ، حلب بالنسبة إلي غيب حاضر ، أما قبل مئة عام غيبُ ماضٍ ، وبعد مئة عام غيبُ مستقبلٍ ، والله سبحانه وتعالى ، يعلم غيب الماضي ، وغيب الحاضر ، وغيب المستقبل .
قال الله تعالى :


(سورة آل عمران)
هذا غيب الماضي .. أما غيب الحاضر .. قال الله تعالى :


(سورة الأنفال)
أما غيب المستقبل .. قال الله تعالى :


(سورة الروم)
أيها الإخوة القراء أريد أن أركِّز على هذه الحقيقة وأوضِّحها ؛ فأنت إذا كنت مع الله ، والله يعلم الغيب ، يعلم غيب الحاضر ، فالطرف الآخر وهم خصومك ؛ يعلم ماذا سيفعلون بك ، كما يعلم ماذا سيخططون ، يعلم ماذا يأتمرون ، وهو يعلمهم ، ويلْهمك شيئاً يقيك تخطيطهم ، يلهمك تدبيراً يحميك من غدرهم، يلهمك خطةً تنجو بها من مكرهم وتدبيرهم ، فأنت إذا كنت مع الله أنت مع عالم الغيب والشهادة الذي يفسد على الآخرين مكرهم ، و ما أحداث ليلة البحرة مجهولة لديكم .. لذلك قال الله تعالى :


(سورة التوبة)
لكن قد توجد مفاجآت ، الحقيقة هناك آلاف الوقائع والأحداث ، والإنسان المتخلِّي عن الله في بضع دقائق قد يفقد كلَّ ماله ، أحياناً في دقائق قد يفقد أهله ، أما الإنسان المتولي ربَّه حينما يكون مع الله فهو عالم الغيب والشهادة ، يعلم ما كان ، ويعلم ما سيكون ، ويعلم ماهو كائن في أيِّ مكانٍ آخر .
ذكر لي أخ مشكلة كبيرة جداً وقعت في مكان ، وكان هو في المكان نفسه والمشكلة مدمرة ، قال لي والله قبل خمس دقائق ، أُلهمت أن أخرج لكي أشتري الخبز ، ما إن خرجت مئات الأمتار ، حتى رأيت المشكلة قد نشبت ، شيء مدمِّر ، فربنا عزَّ وجلَّ .. إذا كنت مع الله كان الله معك ، والله عزَّ وجلَّ إذا قال إن الله مع المؤمنين ، أو مع المتقين ، أو مع الصابرين .. فهذا يعني أي أنَّه معهم حفظاً ، وتأييداً ، ونصراً ، وتوفيقاً .
لذلك فعلى الإنسان إذا همَّ بعمل شيء أن يصلِّي صلاة الإستخارة فيقول : يا ربِّ إنَّك تعلم ولا أعلم ، إن كان في هذا الأمر صلاحٌ لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسِّره لي .
هو يعلم أنَّ هذه المرأة لا تُسعدك فيصرفها عنك ويصرفُك عنها ، هو يعلم أنَّ هذه التجارة لا تُغنيك بل تُسْقط في يدك ، هو يعلم أنَّ هذا السفر ليس في صالح إيمانك .. هو يعلم الغيب وأنت لا تعلم ، فإذا فوَّضت ، فقد فوَّضَ الذي لا يعلم لمَنْ يعلم .. يكون في أعلى درجات الذكاء ، الذي لا يعلم يفوِّض الذي يعلم .
قد تقف عند بائع تثق به وتقول له : أنت اختر لي ، فقد سلَّمت أمري إليك وفوَّضت أمري إليك واختر لي ما يُعجبك .. هذا مع إنسان تثق به تفوِّضه فكيف مع الواحد الديَّان ؟!
بالمناسبة .. كلما ارتقى الإنسان في سُلَّم الإنسانيَّة يخاف بالغيب ، وكلما هبط إلى مستوى البَهيميّة يخاف بالشهود .. وهذه فكرة دقيقة .. كلما ارتقى الإنسان في سُلَّم الإنسانيَّة يخاف بعقله ، وكلما هبط إلى مستوى البَهيميّة يخاف بعينه ، أي إلى أن يرى الخطر ماثلاً عندها تخاف ، علمًا بأن الخطر يدرك بالعقل .
فمثلاً يقول الأطباء : إنَّ الدخان يسبب سرطان بالرئة ، وهذا النيكوتين الموجود فيه تسرِّع القلب، ويزيد من خفقان الرئتين ، ويضيِّق الأوعية ، فيرفع نسب السكر في الدم ، وترفع نسبة هرمون التجلُّط ، فاحتمال التجلط في دم المدخِّن كبيرٌ جداً ، الأمراض القلبية عند المدخنين عشرة أمثالها عند غير المدخنين ، هذا كلُّه بالعقل يُدرك ، أما المدخِّن الذي يخاف بعينه لا يقلع عن الدخان إلا بعد أن يصاب بمرض السرطان ، فبعد أن يصاب على الفور يقلع .. فمعنى هذا أنَّه إنسان بهيمي.. كلما ارتقى مستواك الإنساني خفت بعقلك ، وكلما تدنى المستوى الإنساني إلى المستوى البهيمي خاف بعينه .
قد تجد الدابة إن رأت حفرة في الأرض تقف لقد رأت بعينها ..، بينما قد يجد إنسان طريقاً واسعاً وممهَّدًا ومعبَّدًا ويجد لوحة كتب عليها انتبه الطريق مغلق فالإنسان العاقل لا يكمل السير ، فالطريق تراه بعينيك مفتوحاً أمامك ، ولكنّ قراءتك للوحة صغيرة تفيدك أنَّ الطريق بعد قليل مغلقٌ فلا تكمل المسير ، فأنت الآن لم ترَ الإغلاق ولكن رأيت فكرة الإغلاق ، فكلما ارتقى الإنسان يتعامل مع الأفكار، أما إذا هبط إلى مستوى البهيميّة يتعامل مع الصور .
قد ترى دُوراً للهو ذات فخامة كبيرة ، فيها أجمل أنواع الثريات والتزينات والأناقة لكنَّ المعاصي كلَّها تُرتكب فيها ، فالمؤمن يكرهها بعقله، بينما ضعيف التفكير يقدِّرها ويُعظِّمها بعينيه فيمدح فخامتها .. فكلما إرتقى الإنسان تَعامل مع الأفكار بعقله ، وكلما هبط مستواه تَعامل مع الصور بعينيه .
إذًا فأخطر شيء على الصغار أن تريهم قصَّة مُمَثَّلة .. فلو أريناهم إنسانًا متديِّنًا أحمق أو امرأة متديِّنة حمقاء مثلاً مهملة أولادها ، فهذا الصغير يكره الدين بلا سبب فهوفي كل الأحوال لا يتعامل مع الأفكار ، فليس عنده إدراك أو عمق أنَّ هذه تمثيلية والذي كتب هذه التمثيلية أراد تشويه صورة الدين ، فهو قد رأى أنَّ الإنسان الذي يمثِّل الدين إنسان غير جيِّد بينما الإنسان الجيِّد هو الذي أسبغ عليه الكاتب كلَّ صفات الرجولة فهو إنسان شجاع ووفي إلا أنَّه يشرب الخمر ، فخطورة أجهزة اللهو مع الصغار خطيرة جداً ، لأنَّ الصغير لا يتعامل مع الأفكار بل يتعامل مع الصور ، فيكفي أن تريه امرأةً سيِّئةً جداً بزيٍّ إسلامي ، فيكره الإسلام كلَّه ، ويكفي أن تريه امرأةً تحبُّ أولادها حباً جماً لكنَّها متفلِّته من الدين فيحب الصغير التفلُّت من الدين ، هنا الخطورة أن نسمح لأطفالنا أن يشاهدوا كل ما هبَّ ودبَّ ، فالطفل الصغير يتعامل مع الصور ، وقد نستطيع أن نفسد عقيدته بالصور ، وأن نشوِّه له كلَّ شيءٍ يعرض عليه بالصور .
فلدينا غيب وكذلك شهادة .. وهناك أمثلة كثيرة جداً .. إنسان ينتظر إلى أن تأتي موجة من البرد قارسة فيهيِّء المدافيء ويشتري الوقود السائل للتدفئة ، وإنسان آخر تجده وهو في أشهر الصيف يُهيِّء المدافيء ويشتري الوقود السائل اللازم ويجهِّز كل شيء لفصل الشتاء دون مشقة ودون ازدحام على الوقود ، أما حينما تأتي الموجة القارسة فجأةً تجد صعوبة بالغة عند شراء الوقود السائل ، فالذي يتعامل مع الأشياء بإحساساته فهو ذو إدراك ضعيف ، أما الذي يتعامل معها بإدراكه فهو ذو إدراك عالٍ .
كتاب الله جلَّ جلاله أشار إلى كلمة عالم الغيب والشهادة في آياتٍ كثيرة .. فقد قال تعالى :
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سلسلة أسماء الله الحسنى ( عالم الغيب والشهادة ) للشيخ محمد راتب النابلسى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عائلة شرير :: الأقسام العامة :: المنتدى الاسلامى-
انتقل الى: